التركيز مش بالطلب

“مش بيقعد عشان يركز.”

“مهما قلت لها، ما بتسمعش الكلام وتركز.”

“هو أصلًا تركيزه ضعيف.”

بنفتكر إن التركيز هي حاجة الطفل بيقرر يعملها أو ما يعملهاش. اللي كتير ما بناخدش بالنا منه، إن التركيز مهارة زي أي مهارة تانية، بتكبر وتنمو مع الطفل. وقوتها أو ضعفها بييجي من التمرين والفرص اللي وفرناها لأطفالنا إنهم يركزوا على حاجة هم مشغولين ومهتمين بيها.

خلينا نتخيل موقف غريب: طفلي مش باخليه يتحرك خالص، طول الوقت قاعد، وكل ما يحاول يتحرك، أشيله. وفي يوم من الأيام، قلتله “اجري.”

ومش بس قلت له “اجري”. أنا كمان زعلت منه إنه مش عارف يجري. وقلت “مش بيسمع الكلام.”

كام مرة أطفالنا بيبقوا مركزين في حاجة بيعملوها… يقفلوا زراير القميص، يشيلوا كباية من غير ما المية تدلق، يتفرجوا على نملة بتجري في الأرض، يركبوا الغطا على الإزازة… وبندخل إحنا ونمنعهم، بالمساعدة غير الضرورية، أو مقاطعتهم عشان “ياللا بسرعة” أو “خالتو عايزة تسلم عليك” أو “هتكسرها.”

ومش بنبقى عارفين، إنهم بيكوّنوا بذرة التركيز الحقيقية، اللي بتكبر من إيديهم وجسمهم وعقلهم وحواسهم.

عشان نبقى صادقين مع نفسنا، كتير المقاطعة اللي بنكررها مع أطفالنا، بيكون أساسها هو إحساسنا إنه “مش مهم.” خلينا نقارن لما أطفالنا بيقاطعونا في حاجة بنعملها، ولما إحنا بنقاطعهم.
إيه اللي بنتوقعه في الموقفين؟

 الموقف الأول، بنتوقع إن الطفل يحترم اللي بنعمله، ويستنى، وساعات كمان بنتعصب عليه عشان قطع تركيزنا.

 طيب والموقف التاني؟ لازم يوقف اللي بيعمله فورًا. ويرد علينا فورًا. ويعمل اللي إحنا عايزينه منه فورًا.

مين فينا اللي بيكبّر أساس عقله، وبينمي تركيزه، ومحتاج فرصة زمنية ومكانية عشان يطور فيها مهاراته اللي هتفضل معاه بقية العمر؟ زي ما بنعلم أطفالنا آداب التعامل، ونعمل إيه لو عايزين حاجة من حد مشغول. لازم كمان نطبق الآداب دي معاهم.

الحقيقة إنه مافيش حد بيحس بازدواجية المعايير أكتر من الأطفال، وبسببها ساعات كتير بيفقدوا الثقة فينا.
طيب إزاي أضمن إني ما أقعش في الغلطة دي؟

 

أولًا: الملاحظة.
الملاحظة هي المفتاح الأهم لفهم أطفالنا. إيه اللي مهتمين به؟ إيه اللي بيرجعوا له كل يوم؟ إيه التطورات اللي حصلت، حتى ولو حاجة بسيطة جدًا؟ لو عندنا معرفة كافية بأطفالنا عن طريق ملاحظتهم، هم اللي هيوجهونا للحاجات اللي فعلًا بيندمجوا فيها. والاندماج هو الدافع الأول للتركيز. وزي ما التركيز من أطفالنا بيحتاج تدريب وفرص، الملاحظة كمان هي مهارة لازم نتدرب عليها في كل فرصة إحنا فيها مع أطفالنا.

 

ثانيًا: النظام
لازم نعترف إن ما حدش بيعرف يركز وهو قلقان أو مش حاسس بأمان، كبير أو صغير. النظام والاتساق من أسس الأمان عند أطفالنا. الأطفال بييجوا للعالم بتاعنا بكل حاجة فيه، من تفاصيل وناس وأحاسيس واحتياجات وأماكن وقواعد، وبيبقوا عايزين ينظموا المعلومات دي عشان يعرفوا يتعاملوا معاها. وده دورنا إننا نساعدهم. النظام مش بس في أماكن الحاجات، عشان الطفل يبقى عارف الحاجة اللي محتاج يعملها دي هيلاقيها فين كل يوم، وقت ما يحتاجها، وده بيديله ثقة وحافز إنه يرجع لها ويركز فيها ويكبر من مهاراته، عشان بكرة وبعده وبعده هيفضل يكمل لحد ما يتقن اللي هو عايزه. النظام كمان في اتساق القواعد. لو البالغ اللي مسئول عن الطفل كلمته واحدة، ده بيطمن الطفل.

بمعنى، لو أنا طفل مركز جدًا في حركة فتح وقفل المشبك مثلًا. أنا عارف هي موجودة فين، وباحب أركبها في المنشر الصغير. أول مرة جربت، ماما شافتني، وابتسمت لي. تمام. تاني يوم، شافتني وما قالتش حاجة. تالت يوم، ماما زعقت لي وقالتلي بطل لعب هتكسرهم. رابع يوم رحت أخدهم من غير ما ماما تعرف، وابتديت أفقد تركيزي عشان خايف. خامس يوم ما لقتهمش مكانهم.

كده باظت على الطفل فرصة عظيمة للتركيز، وتدريب صوابع إيده اللي هيحتاجها في حاجات كتير جدًا في حياته ومنها الكتابة، وتدريب تآزر العين مع حركة الصوابع، ومفاهيم ذهنية كتير، وإحساسه إنه يقدر يعمل حاجة زي الكبار فتدي له إحساس بالمسئولية والاعتماد على النفس… وحاجات تانية كتير. وزائد كل ده، بقى مش عارف إمتى حاجة هو بيعملها تبقى مقبولة، وإمتى لأ. ليه فجأة الكبار بيغيروا رأيهم؟ يعني هو اللي أنا باعمله صح ولا غلط؟

ومافيش تركيز يقدر يحصل بالحالة الشعورية دي.
خلينا نشوف الموقف لو حصل بطريقة تانية. أنا في فترة عايز أقوي فيها عضلاتي وحركاتي، ومهتم بالحاجات اللي ماما بتعملها في البيت وعايز أعمل زيها، عشان يبقى لي مكان في العيلة وأقدر أساعد نفسي وأساعدهم. لقيت المشابك وحركة قفله وفتحه عجبتني وحسيت إن ده اللي محتاجه. ماما شافتني، استنتني لما خلصت. وبعدين قالتلي، هاحط لك مشابك في سبت يبقى لك، هتلاقي في المكان ده وقت ما تحب. كل يوم، باروح له وأفتح وأقفل المشابك وأثبتهم على المنشر. في الأول، كان صعب عليا. وشوية شوية، بقيت أعرف أعملهم. في يوم ماما جات قالتلي، إنت بقيت تعرف تستخدم المشبك كويس، إيه رأيك تساعدني وتنشر معايا الغسيل؟

إيه اللي حصل؟ الطفل بنى تركيزه، ومن تركيزه بنى مهاراته، ومن مهاراته بدأ يساعد، ولما ساعد، طلع سلمة في نموه الاجتماعي، وشخصيته كبرت معاه. ليه ده كله حصل؟ ماما لاحظت، ووفرت، وما قاطعتش، وفضلت تلاحظ، لحد ما لقت النمو وصل لنقطة يقدر فيها يشارك كفرد من العيلة. ودي أكبر جايزة للطفل ده.

من الملاحظة للنظام والاتساق، نقدر نوفر لأطفالنا فرص التركيز اللي محتاجينها.

التركيز: مهارة… تكرار… تجربة… فرص كتير.

التعليقات
المزيد