العلوم في منتيسوري
قد يعتقد العض أن تعلم علوم الطبيعة عند الطفل هو نتاج جمع معلومات وتخزينها. كلما زادت المعلومات، زاد علمه. لكن الحقيقة غير ذلك. يتبع نهج منتسوري في الأساس طريقة توفير أدوات النمو والتعلم للطفل وتوجيهه لكيفية استخدامها، ومن ثم، يستخدمها الطفل في التطور والنمو حسب اهتماماته واحتياجاته الشخصية، لتتكون خلال عملية النمو تلك شخصية فريدة ومتناسقة وقوية، قادرة على التعامل مع التحديات وكل ما هو مجهول بما تملكه من أدوات طيعتها لتتخذ طابعًا مبتكرًا.
ومجال علوم الطبيعة لا يختلف عن ذلك. عوضًا عن جمع وتخزين المعلومات فقط، يعرف الطفل كيف يسأل. كل ما حولنا من طبيعة يمكن استكشافها عن طريق تساؤلاتنا، ومن مجموعة الإجابات نقدر أن نصنف أو نتعرف على ما هية ذلك الذي نود استكشافه.
مثال على ذلك: كيف أعرف ما هي عائلة حيوان ما؟
نسأل، فقري أم لافقري؟ يلد أو يبيض؟ ما هو كساء جسمه؟ حار أم بارد الدم؟ ما هي دورة تكاثره؟ ما هي بيئة معيشته؟ وهكذا. ومن ملاحظاتنا، نصبح أقرب وأقرب للإجابة.
مثال آخر: ما هي الخصائص الفيزيائية لصلب ما؟
نسأل، ممغنط أم غير ممغنط؟ يطفو أم يغوص؟ موصل للكهرباء أم لا؟ كيف يمر فيه الصوت؟ الضوء؟
ويزيد على ذلك، أهمية ربط مكونات الحياة على الأرض ببعضها البعض، حيث يصل منها الطفل في مرحلة ما بعد الطفولة المبكرة، إلى مفهوم تواكل وترابط مكونات كل الأنظمة البيئية، مما يعطي له الصورة الأكبر، التي من خلالها يستطيع فهم العالم بشكل أفضل، وفهم دور كل عنصر في الحفاظ على التوازن. وبالطبع، حتى وإن لم يكن مستقبل الطفل هو التخصص في دراسة شق من العلوم الطبيعية، سينمي ذلك لديه الإحساس بالمسئولية والوعي البيئي، وفهم دوره في شبكة هائلة تسمى الحياة.
وإن بدأنا بأسئلة بسيطة: لماذا تتسم أرجل الطائر ذلك بهذا الشكل؟ لمااذا يتلون هذا الزاحف بتلك الألوان؟ لماذا تبيض هذه الحشرة بيضها على هذه النبتة؟ ومن مجموع ذلك النوع من الأسئلة، يمكن للطفل فهم كيف تؤثر الجغرافيا والطقس، ودورات الحياة، والسلسلة الغذائية، على تكوين ما يسمى النظام البيئي: نظام متوازن متكامل، تحافظ عناصره على استمرارية دورة الحياة فيها، عن طريق التأقلم.
إذن فطفلنا يبدأ بمعرفة مما يتكون العالم، وما هي أصناف الكائنات الحية والجماد، ومن هنا يبدأ رحلة استكشاف يتتبع فيها الحقائق عن طريق التساؤلات والملاحظات والتجارب. لتصبح لديه ذخيرة أدوات المعرفة التي ستمكنه من الوصول لأي معلومة.
لذا على الموجه أو الموجهة، أن يتبنوا روح الاستكشاف، ويوفروا للأطفال مظاهر وأركان وفرص وأشياء طبيعية في فصولهم، ليلاحظها ويتحسسها ويراقبها الأطفال بحرية، وعند إبدائهم التساؤل الأول، ومن ملاحظتنا لشرارة الاهتمام والتركيز، نبدأ معهم الرحلة.
نتبنى كذلك في تلك الرحلة روح الحكاء أو الراوي. فما دورات الحياة وخبايا الطبيعة إلا حكايات شديدة الإثارة، تنبع من الحقيقة المذهلة التي تعيش على الأرض. أفضل وأهم بكثير من كل حكايات الرسوم المتحركة والfairy tales. وتغذي الخيال من أساس حقيقي. فكم من خيال يحتاجه الطفل ليعرف قصة حيوان يعيش على بعد آلاف الكيلومترات في قارة بعيدة، أو يتفكر في كوكب في المجرة، أو عن جهاز متكامل داخل جسده!
حب المعرفة هو الحقيقة المطلقة التي يؤمن بها كل من يعمل بنهج منتسوري، حتى وإن ظهرت بعض سمات التحدي أو غيره على الطفل، نؤمن أن أرضه تحمل في داخلها البذور التي ما زالت تبحث عن الشمس. وطالما آمنا بحب الطفل لاستكشاف عالمه، فلا يهم كم المعلومات التي نود أن يعرفها، لكن ما يهم، هي ذخيرة أدوات المعرفة التي سيجمع بها كل ما يحرك رغبته للتعرف على العالم.