يعني إيه استقلال شعوري للطفل؟
بنتكلم كتير عن أهمية إن أطفالنا يعتمدوا على نفسهم، من وهم صغيرين في الأكل والشرب واللبس والحمام، وكل ما يكبروا يشاركوا في مسئوليات البيت، وتخطيط يومهم والتزاماتهم للمدرسة أو غيره. ودور ده كله في تكوين شخصيتهم.
حتى بنتكلم كمان على الاستقلال الإجتماعي، بمعنى إزاي يعبروا عن رأيهم، ويعرفوا يحلوا مشكلة حصلت ما بينهم وما بين غيرهم، ويكونوا صداقات صحية من غير ما يبقوا على طول معتمدين علينا.
بنتكلم إن الاستقلالية ده احتياج طبيعي للأطفال هم نفسهم بيسعوا له. وزي ما بنقول، بيبقوا عايزين إننا “نساعدهم يساعدوا نفسهم.”
طب والاستقلال الشعوري؟ يعني إيه؟
إسال أي حد كبير وهيقولك إن التعامل مع المشاعر القوية من أصعب الحاجات. زي الغضب أو التحمس أو الألم. حتى إحنا كبالغين ساعات كتير بنكبت مشاعرنا أو بنخليها تسيطر علينا من غير ما نعرف هي إيه وجاية منين. لأن حياتنا بقت معقدة، بقى أسهل نهمل مشاعرنا عن إننا نتعامل معاها أو نعرف سببها الأصلي. وللأسف كتير بنربي أولادنا على نفس الحاجة. إزاي؟ أطفالنا بيتصرفوا مع مشاعرهم بنفس الطريقة اللي بنتصرف بيها معاها. لو أنا بازعق لابني لما يعيط، أو باعنفه لما يبقى غضبان وأعاقبه عشان يسكت، أو في وسط حماسة وحركة كتير نابعة من فرح غامر مش قادر يسيطر عليه، بالومه أو باشخط فيه.
قولة الولد ما يعيطش والبنت ما تتعصبش.
كل ده بيدخل جوا أطفالنا وبتتحول لطريقتهم في التعامل مع المشاعر. طيب وإيه الحل؟
في الأول لازم نقدّر إن الاندفاع في رد فعلنا تجاه شعور قوي هي حاجة غريزية، وبناخد وقت وإحنا بنكبرعشان نقدر نتحكم في غضبنا أو حماسنا أو تألمنا.
ثانيًا، احتياجنا إننا نوصل مشاعرنا للآخرين دي حاجة إنسانية بتدرج تحت رغبتنا كبشر في التواصل.
احتياجنا لمشاركة مشاعرنا كل ما بنكبر بتاخد شكل لغوي أكتر. بمعنى إننا بنستبدل ردود الفعل الجسدية بالكلام.
وبالتدريج، النمو الشعوري بيتشبك معاه مهارات عقلية زي إدراك العواقب والمنطق (لو قلت كذا أو اتصرفت بالطريقة دي، إيه ممكن تكون النتيجة؟)، ومهارات إجتماعية زي تقدير الآخر وبناء العلاقات، ومهارات لغوية كمان (إيه التعبير اللي أقدر أقوله يوصل اللي أنا حاسس به بطريقة مناسبة؟).
قد كدا الموضوع معقد، مش مجرد إن “ابني بيتعصب فلازم أعاقبه عشان يتعلم يتحكم في عصبيته”، أو “لما بيتبسط بيتحمس زيادة عن اللزوم وبينسى القواعد ومش بيركز فلازم أكشر في وشه عشان يفتكر.”
حلو إننا نساعد أولادنا يتكلموا عن مشاعرهم أو يعرفوا يدوها اسم. لما أعرف إن اللي أنا حاسس به دا لما صاحبي أخد مني لعبتي اسمه غضب، وأعرف أقول أنا عضبان عشان كذا وكذاـ لأن ده بيساعد يرجعنا للواقع ونقدر نفكر إزاي نحل أصل المشكلة بدل ما نضيع طاقتنا في دوامة مشاعر قوية بتتحكم فينا وفي تصرفاتنا.
دا كله جميل. لكن كمان مهم نفتكر إننا لازم نديهم مساحة وقت يهدوا فيها نفسهم، وما نستعجلش عليهم بإننا نجبرهم إنهم يتكلموا معانا أو مع التانيين.
طريقتنا في تهدئتهم وإحساسهم إننا مقدرين اللي بيحسوا به ده أهم خطوة.
يحسوا بالأمان الأول، يشوفوا مننا إزاي يهدوا نفسهم، وبعدين نتكلم أو نعبر.
المساحة دي هي مساحة التجربة بتاعتهم اللي فعلًا بيتعلموا منها الاستقلال الشعوري.
فأنا عرفت أهدي نفسي.
وبعدين عرفت أشارك مشاعري مع التانيين.
ومش حاسس بالعار من إني فقدت السيطرة لأني لسه باجرب وبافهم نفسي.
ولو فشلت، فيه أرض أمان بارجع لها تساعدني.
أنا في طريقي إني أكون مستقل شعوريًا.